- سبتمبر 18, 2024
- الباحث: محمد غازي
- التصنيفات: الإعلام والتكنولوجيا, السياسات العامة, الشؤون العسكرية والأمنية
في العقود الأخيرة، تطورت طبيعة الصراعات الدولية بشكل جذري، حيث لم تعد الحروب مقتصرة على المواجهات العسكرية التقليدية. حروب الجيل الخامس والحروب الهجينة أصبحت هي السائدة، حيث يتم دمج الأدوات العسكرية وغير العسكرية للتأثير على الدول والمجتمعات بطرق غير مباشرة ولكن مؤثرة للغاية. هذه الأنواع من الحروب باتت تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا الحديثة، المعلومات، والهجمات السيبرانية (السيبرانية) بدلاً من مجرد القوة العسكرية المباشرة.
حروب الجيل الخامس: تطور مفهوم الحرب
حروب الجيل الخامس، أو ما يُعرف بالحروب غير التقليدية، تتجاوز حدود المعارك المباشرة بين الجيوش النظامية. في هذا النوع من الحروب، تصبح المعلومات والأسلحة السيبرانية (الرقمية) الأدوات الرئيسية للصراع. تختلف هذه الحروب عن الأجيال السابقة بأنها تستهدف البنية التحتية المعلوماتية للدولة، مثل الأنظمة المالية، أنظمة الكهرباء، والمستشفيات. الهجوم لا يقتصر على إصابة الجنود أو المدنيين جسديًا، بل يتعدى ذلك للتأثير على الرأي العام، نشر الخوف، والضغط على الحكومات من خلال الاضطرابات النفسية والاجتماعية.
من أبرز ما يميز حروب الجيل الخامس هو قدرتها على خلق حالة من عدم اليقين والفوضى من دون تدخل عسكري واضح. يستخدم الأعداء الهجمات السيبرانية والتلاعب بالمعلومات، وقد تكون الأمثلة البارزة على ذلك هي الحملات الإعلامية المنسقة عبر الإنترنت، والتي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي من خلال نشر الأخبار المضللة والشائعات. في هذا السياق، يمكن القول إن حروب الجيل الخامس هي حروب العقول قبل أن تكون حروب الأسلحة.
الحروب الهجينة: الدمج بين الأساليب المختلفة
الحروب الهجينة تمثل تطورًا آخر في أشكال الصراعات المعاصرة. هي مزيج بين الأدوات العسكرية التقليدية وغير التقليدية، حيث يتم استغلال الاقتصاد، السياسة، المعلومات، والتكنولوجيا كأدوات للصراع. من خلال هذا النوع من الحروب، يمكن للدول أو الفاعلين غير الدوليين مثل الجماعات المسلحة أو الشركات، استخدام أساليب متنوعة لشل قدرات الخصم. في هذه الحروب، يمكن للأطراف المشاركة أن تستخدم وكلاء أو جماعات محلية لتحقيق أهدافهم من دون الدخول في صراع مباشر.
التدخل الروسي في أوكرانيا مثال حي على الحروب الهجينة. في هذا النزاع، استخدمت روسيا أساليب متعددة، من بينها دعم المتمردين المحليين في شرق أوكرانيا، والهجمات السيبرانية على البنية التحتية الأوكرانية، واستخدام الإعلام للتأثير على الرأي العام الدولي. هذه الاستراتيجية المعقدة تميز الحروب الهجينة، حيث يصعب تحديد الأطراف المشاركة وتقديم الردود المناسبة.
إلى جانب ذلك، استخدمت أوكرانيا بشكل مكثف الهجمات السيبرانية لتعطيل البنية التحتية الروسية. في عام 2022، ومع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، نفذت كييف هجمات استهدفت أنظمة الاتصالات، والمنصات الإعلامية الروسية، مما أثر على العمليات الروسية وساهم في زعزعة الثقة الداخلية بروسيا. كما استفادت أوكرانيا من وسائل الإعلام الاجتماعية لخلق دعم دولي واسع، باستخدام مقاطع فيديو مؤثرة وروايات تهدف لتأليب الرأي العام العالمي ضد روسيا، ما ساهم في فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على موسكو.
الهجمات السيبرانية في لبنان: نموذج حقيقي لحروب الجيل الخامس
مؤخرًا، شهد لبنان مثالًا واضحًا على تأثير الهجمات السيبرانية في إطار حروب الجيل الخامس. في 17 سبتمبر 2024، تعرضت البلاد لهجوم سيبراني معقد أدى إلى تفجير أجهزة اتصال لاسلكي تُعرف باسم “البيجر” كانت بحوزة عناصر من حزب الله. التفجير، الذي أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة ما يزيد عن 2000 آخرين، يُعتقد أنه تم عبر اختراق سيبراني، حيث استخدمت تقنية لاسلكية لتفعيل الشحنات المتفجرة داخل الأجهزة.
ما يجعل هذه الحادثة نموذجًا لحروب الجيل الخامس هو أنها لم تعتمد على هجوم عسكري تقليدي. بل تم استغلال التكنولوجيا اللاسلكية والاتصالات لتوجيه ضربات قوية من دون وجود قوات مباشرة على الأرض. مثل هذه الهجمات تعكس تحول الصراع في الشرق الأوسط والعالم إلى صراعات غير تقليدية تعتمد على التكنولوجيا والقدرات السيبرانية.
التحديات المستقبلية
الحروب المستقبلية لن تكون سهلة التنبؤ. مع تطور التكنولوجيا والاعتماد الكبير على الأنظمة الرقمية، تزداد قدرة الدول أو حتى الجهات غير الحكومية على شن هجمات قد تشل بنية الدولة المستهدفة من دون الحاجة إلى استخدام الجيوش التقليدية. يمكن للهجمات السيبرانية أن تؤدي إلى انهيار البنى التحتية مثل أنظمة الطاقة، المواصلات، الاتصالات، وحتى الأنظمة الصحية. من هنا، يصبح من الضروري على الدول الاستعداد لهذه الأنواع من الحروب من خلال تعزيز قدراتها الدفاعية السيبرانية والاستثمار في التكنولوجيا المعلوماتية التي تمكنها من التصدي لهذه الهجمات.
الخاتمة
يمكن القول إن حروب الجيل الخامس والحروب الهجينة تشكل تحديات كبيرة للأمن الدولي. الصراعات لم تعد تقليدية، بل أصبحت تعتمد على التكنولوجيا، المعلومات، والسياسة كأدوات أساسية لتغيير ميزان القوى. الهجوم الذي شهدته لبنان مثال حي على خطورة هذه الحروب، حيث يمكن لهجوم سيبراني بسيط أن يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق. لذا، يبقى التحضير لهذه الحروب أمرًا حتميًا من خلال التعاون الدولي وتعزيز الدفاعات السيبرانية.