التحليل الجيوسياسي للوضع في السودان وأفريقيا

يشهد السودان فترة حرجة من الصراعات السياسية والعسكرية التي تؤثر بشكل عميق على الوضعين الإقليمي والدولي. يتميز السودان بموقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي يحده مصر وليبيا شمالاً، إثيوبيا وإريتريا شرقاً، جنوب السودان جنوباً، وتشاد وأفريقيا الوسطى غرباً. هذا الموقع الجغرافي يجعله محط أنظار القوى الكبرى.

الجذور التاريخية للصراع

تفاقمت الأزمة الحالية في السودان بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في عام 2019. منذ ذلك الحين، لم يتحقق الاستقرار السياسي المأمول، بل ازدادت حدة الصراعات بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي). هذه الصراعات تعود جزئيًا إلى التنافس على السلطة والموارد، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد الوضع.

التدخلات الدولية

مصالح الولايات المتحدة في السودان: تهتم الولايات المتحدة بالسودان لأسباب متعددة تشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية. تتنوع مصالحها بين محاولة تحقيق الاستقرار لمنع تحول السودان إلى ملاذ للجماعات الإرهابية، ورغبتها في مراقبة النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة. ولكن، توجد أيضًا مصالح أمريكية يمكن وصفها بـ”السيئة” أو المثيرة للجدل، مثل:

  1. السيطرة على الموارد: تهدف الولايات المتحدة إلى ضمان وصولها المستقر إلى الموارد الطبيعية الغنية في السودان، مثل الذهب والنفط. هذا الاهتمام غالبًا ما يكون مدفوعًا بالرغبة في استغلال هذه الموارد لتعزيز اقتصادها ودعم صناعاتها.
  2. التأثير السياسي: تعمل الولايات المتحدة على دعم بعض الفصائل والجهات السودانية لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات الداخلية. تهدف واشنطن من خلال ذلك إلى ضمان وجود حكومة موالية لها أو على الأقل متعاونة معها.
  3. التحكم في البحر الأحمر: تسعى الولايات المتحدة لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو ممر تجاري هام يربط بين الأسواق الآسيوية والأوروبية. ترغب واشنطن في منع أي قوة من السيطرة على هذا الممر الاستراتيجي، حتى وإن كان ذلك يتطلب تدخلاً عسكريًا أو دعمًا لجهات معينة على حساب أخرى.

 

مصالح روسيا في السودان: تلعب روسيا دورًا بارزًا في الصراع السوداني، وتسعى لتحقيق مجموعة من المصالح، منها:

  1. استغلال الموارد: تسعى روسيا للحصول على الذهب السوداني، والذي يُستخدم لدعم اقتصادها المتضرر من العقوبات الدولية. من خلال مجموعة فاغنر، تستخرج روسيا الذهب السوداني وتهربه إلى الخارج، مما يوفر لها مصدرًا هامًا للعملة الصعبة.
  2. الوجود العسكري: تهدف روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر من خلال إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان. هذا الوجود يمكنها من تعزيز نفوذها في المنطقة ومراقبة خطوط الملاحة التجارية.
  3. التأثير السياسي: تعمل روسيا على دعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، مما يتيح لها التأثير في السياسة الداخلية السودانية وضمان ولاء بعض الفصائل لها. هذا التأثير يمكن موسكو من تعزيز موقعها في أفريقيا كقوة دولية منافسة للولايات المتحدة والصين.

 

مصالح الصين في السودان: تسعى الصين لتحقيق مصالحها في السودان من خلال عدة استراتيجيات، تشمل:

  1. الاستثمارات في البنية التحتية: استثمرت الصين بكثافة في مشروعات البنية التحتية السودانية، مثل خطوط الأنابيب والجسور والمصانع. هذه الاستثمارات تعزز من نفوذ الصين الاقتصادي في السودان وتوفر لها فرصًا اقتصادية كبيرة.
  2. تأمين الموارد الطبيعية: تعتمد الصين على السودان كمصدر للنفط والذهب، وهي موارد ضرورية لتلبية احتياجات اقتصادها المتنامي. تستفيد بكين من هذه الموارد لتعزيز صناعاتها وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
  3. تعزيز مبادرة الحزام والطريق: يعتبر السودان جزءًا مهمًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية والبنية التحتية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. استثمارات الصين في السودان تساعد في تحقيق أهداف هذه المبادرة وتوسع نطاق النفوذ الصيني في المنطقة.

التوترات الإقليمية

تعد أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا من العوامل المؤثرة في الوضع في السودان. تعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، وأي تهديد لإمدادات النيل يشكل تهديدًا لأمنها القومي. بناء سد النهضة من قبل إثيوبيا يزيد من التوترات في المنطقة، ويجعل من استقرار السودان أمرًا حيويًا لتحقيق توازن القوى في المنطقة. يلعب السودان، بكونه نقطة التقاء النيلين الأبيض والأزرق، دورًا حاسمًا في هذه الديناميكية الإقليمية.

تعكس الأزمة السودانية تداخل المصالح الدولية والإقليمية في أفريقيا، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تعزيز نفوذها من خلال دعم أطراف محلية. يتطلب استقرار السودان نهجًا متكاملًا يشمل جهود الوساطة الدولية، والتنمية الاقتصادية، ودعم التحول الديمقراطي لتحقيق السلام المستدام. إن السودان محور أساسي في السياسة الجيوسياسية الأفريقية، مما يجعل استقراره ضرورة لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.